وقد وقع الشرك في قوم نوح بعبادة وتعظيم الصالحين والعباد: ((وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدّاً وَلا سُوَاعاً وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً)) [نوح:23] فهذه أسماء رجال صالحين، كانوا عباداً يعبدون الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وكان الناس يحبونهم ويقدرونهم ويعظمونهم لما يرون فيهم من شدة الاجتهاد في العبادة، فلما ماتوا جاءهم الشيطان، وقال: لو صورتموهم حتى تذكروهم، فإذا تذكرتم هؤلاء الصالحين الأخيار عبدتم الله كعبادتهم.
وانظروا كيف المدخل الخبيث لعدو الله، فصوروهم ونحتوا الأصنام على صورهم، وبقوا على هذا زمناً حتى نسخ العلم، ودائماً يأتي جيل فيزين له الشيطان ما لم يزين للأول، فجاء الشيطان للأجيال المتأخرة، فقال: اعبدوهم وادعوهم، فهؤلاء واسطة ووسيلة وشفعاء عند الله، وهؤلاء قوم مقربون عند الله، وإذا عبدتموهم قربوكم إلى الله، وأنتم مذنبون مساكين وضعفاء وعندكم ذنوب وخطايا، أما هؤلاء فإنهم عبدوا الله، وبلغوا مراتب العبودية العليا، ولهم عند الله شأن وجاه، فإذا دعوتم الله بواسطتهم، أو دعوتموهم هم فإنهم يكونوا شفعاء لكم عند الله.
فعبدوهم من دون الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وأصبحوا آلهة معبودة من دون الله.
فهذا هو أصل الشرك في العالم.
ثم جاء من بعدهم من عبد الأنبياء، وقلَّ أن يُعلم مكان فيه قبر نبي إلا ويأتي إليه الناس فيعبدونه من دون الله، ونحن في هذه البلاد -بحمد لله- قد حماها الله بدعوة الشيخ الإمام المجدد من هذا الشرك، ولو أن فيها من يريد أن يحيي الوثنية، ولكنهم مخذولون بإذن الله، ولن تقوم لهم راية ولا شأن ولا كلمة، لكن في غير هذه البلد تجد العجب العجاب من عبادة القبور والأولياء، لا يكاد يوجد بلد إلا وفيه قبر النبي فلان، أو الولي فلان، أو السيد فلان، أو السيدة فلانة، وهذا في أكثر أنحاء العالم الإسلامي إلا القلة القليلة التي فيها من يدعو إلى الله، وهؤلاء ينبزون بأشد الألقاب، ويقال: إنهم خارجون على المذاهب، وإنهم خوارج ووهابية، ويسبونهم بأشنع السب لأنهم يوحدون الله.
أما الكثرة الكافرة فهم يعبدون الأولياء، ويعبدون قبور الصالحين، وقد لا يكونون من الصالحين، بل قد لا يكون هناك قبور أصلاً أو مقبورون، فبعضها أُحدث على أنه قبر، وهو ليس بقبر في الحقيقة، لأنه إذا لم يكن فيه ميت فليس بقبر.
فالمقصود أن هذا الشرك العظيم هوشرك الجاهلية الأولى، وهو كذلك الشرك الذي ما يزال إلى هذا اليوم، وهو أعظم وأظهر أنواع الشرك.